محمد زكريا: أزمة الصحافة هي غياب الحرية والاستقلالية

يشارك معنا الصحفي المستقل محمد زكريا بتدوينته التي تشرح أهم الأزمات الراهنة في الصحافة المصرية.

  • نص التدوينة:

لا يمكن فصل أزمة الصحافة الراهنة عن الأزمة المصرية بشكل عام، المعقدة والمتشابكة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. إلا أنه لمن المهم الخوض في بعض التفاصيل: –

في رأيي أن أزمة الصحافة الكبرى، تتلخص في غياب الحرية والاستقلالية، فإذا كان بوسع السلطة أن تقول للصحفيين ما يمكنهم نشره وما لا يمكنهم نشره فلا قيمة للصحافة لأنها بذلك تفقد دورها ووظيفتها. وهي الأزمة التي تعمقت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بعد أن سيطرت الدولة على أغلب الصحف ووسائل الإعلام، ولم يعد هناك غير القليل جدًا من المؤسسات المستقلة، والتي تواجه الحجب والتقييد والحبس لصحفييها أحيانًا.

-أزمة أخرى تتعلق بفهم الصحفيين لدورهم ووظيفتهم، ولدور الصحافة في مجتمعها. أعتقد أن الجماعة الصحفية تتحمل جزء كبير من الأزمة الراهنة، بالتماهي مع ما فرضته بالعصا والجزرة. ولا أطلب هنا الصدام مع سلطة لا يردعها أي أعراف راسخة ولا قوانين موضوعة، فلن يكون هذا برأيي فاعلًا بالوقت الحالي. لكن أتحدث عن إرادة صحفية على الأقل في البحث عن حلول حقيقية تحتاج لمجهودات أكبر وتضحيات أكثر لإخراج الصحافة من كبوتها، ولو بقدر محدود. فمع الأسف الشديد، القائمين على أمر الصحافة في مصر ارتضوا بالوضع الحالي، بل على العكس هناك محاولات لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في ظله، على حساب الصحافة وحق الناس في المعرفة.

-أزمة أخرى تتعلق بإدارة العلاقة بين الصحفي ومؤسسته الصحفية وإدارة العلاقة بين الصحفي ونقابته. نحن نتحدث عن مرتبات زهيدة جدًا، ملليم بالمعنى الحرفي للكلمة، كيف يمكن للصحفي أن يعمل بجد واجتهاد وإبداع، في ظل الوضع الاقتصادي شديد السوء الذي يعيشه، والذي يدفعه للعمل في أكثر من مؤسسة ليكفي فقط احتياجاته الأساسية.

هذه الإشكالية تدفع العديد من الصحفيين لفقدان استقلاليتهم، فيصبحون خادمين للمصدر أو منتفعين من وراء عملهم، وبذلك يفقدون أهم ما يملكون كحراس أمناء على الكلمه والقارئ. واعتقد أنه لو توافر للمؤسسات الصحفية البيئة العامة المواتية سياسيًا واقتصاديًا لتقديم محتوى حقيقي جاد يهم القارئ، سيجذبه بالطبع، وستزيد مدخلات المؤسسة المادية، ومن ثم سيكون هناك مدخلًا لإصلاح الخلل المادي في العلاقة بين الصحفي والمؤسسة. وفيما يخص علاقة الصحفي بنقابة الصحفيين، فيكفي أن النقابة باتت ما هي إلا مصدر لـ”البدل”، والذي يسعى الصحفيين إليه، لتحسين وضعهم الاقتصادي السيء، والذي باستمراره في رأيي يفقد الصحفيين ونقابتهم استقلاليتهم، كون الحكومة هي مصدر الأموال، إلى جانب وقوفه حائلًا لاعتراف النقابة بالصحفيين الإلكترونيين، وتلك إحدى الأزمات الكبرى التي تواجه قطاع كبير من الصحفيين، ويتجاهلها القطاع الآخر من منظور حماية مكتسابتهم المادية، وهذا نوع من التهافت الذي بيفقد الصحفيين احترامهم في أروقة السلطة وبين مجتمعهم.

-مسألة أخرى تتعلق بالقدرة على مواكبة الصحافة للتطور التكنولوجي واللحاق بالعصر. لا أعتقد أن التطور التكنولوجي يستلزم موت الصحافة الورقية، والاعتقاد بذلك هو نوع من الاستسهال بدلًا من البحث عن الحلول، والدليل أن هناك صحف ورقية موجودة بالعالم وتوزع بأعداد كبير. فأزمة الصحافة في مصر هي أزمة بيئة عامة، تصيب الورقي والإلكتروني على السواء، ولا تتعلق بالتكنولوجيا في المقام الأول.

لكن كيف يمكن إحياء الصحافة الورقية في عصر السرعة بشكل عام؟ باختصار، أن تتوقف عن تقديم المحتوى الخبري، والذي يسبقه إليه الإعلام المرئي والمواقع الإلكترونية وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، وتصب تركيزها على محتوى أعمق. مثال، لو افترضنا وقوع انفجار ليلًا، هذا الخبر سيصل إلى مسامع الجمهور لحظتها، إما عبر التلفزيون أو الموقع الإلكتروني أو فيسبوك، فلن يكون مهمًا إن كان على صدر صفحتك الأولى في الصباح، لكن سيكون مهمًا إن كان على صدر صفحتك ما هو وراء الخبر، بالتقصي والتحليل والمقال. إما عن الحلول، ففي رأيي أن أولى خطوات الحل، هو الاعتراف بالمشكلات التي تواجه صحافتنا، وتحديد عناصرها بدقة، ثم تحليلها، ومن ثم تأتي الحلول. وحتى لا يكون كلامًا نظريًا لا يجد طريقه إلى الواقع، أعتقد أن حل أزمة الصحافة بشكل عام أعقد من أن تكون في يد الصحفيين وحدهم، هي أزمة بيئة عامة في المقام الأول، لكن هناك ما يتعلق بالصحفيين أنفسهم، وسيكون على الأقل في عدم التماهي مع الأزمة للتكسب منها، بدلًا من بذل مجهودات أكبر لمحاولة خلخلتها على الاقل. يجب ألا ننسى أن التغيير عمل تراكمي طويل الأمد.

يأتي هذا في إطار الحملة التدوينية للاحتفاء بيوم الصحفي المصري، وهي حملة سنوية يطلقها المرصد المصري للصحافة والإعلام بهدف تسليط الضوء على نضالات الصحفيين/ات المصريين والتحديات التي تمثل عائق في طريق المهنية والاستقلالية.

للمشاركة معنا،  ننتظر تدويناتكم/ن مصحوبة بتعريف قصير وصورة شخصية حسب رغبتكم/ن على رسائل الصفحة أو البريد الإلكتروني للمؤسسة: [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى