مراسلو الأقاليم أثناء “كورونا”.. كفاح شاق للحصول على “معلومة” (تقرير)

رغم الدور الهام الذي يلعبه مراسلو الصحف والمواقع الإخبارية في الأقاليم لنقل الصورة حية إلى المواطنين، بل والمسؤولين كذلك في كافة الأرجاء، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يواجهونها لنقل تلك الصورة مكتملة الأركان سواء كانت مكتوبة، أو موثقة “فيديو – صور” ، في ظل الأزمة الحالية وتفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”.

إذ تلعب الإجراءات الاحترازية التي تتخذها كل القطاعات والمسؤولين دورًا في إثقال كاهل الصحفيين والوقوف عائقًا في حصولهم على بعض المعلومات الكاملة والاكتفاء فقط بالمعلومات والبيانات المركزية التي تصدر عن الوزارات، ومعها يكون الصحفي في حيرة لعدم وضوح وتفصيل النقاط في تلك البيانات في أحيان كثيرة بما يخص النطاق الذي يعمل به، ناهيك عن عدة صعاب تقابل الصحفي نفسه خلال رحلته للحصول على المعلومة بدءًا من خروجه من المنزل وتنقله بين المراكز والمدن المختلفة، وعودته للبيت مرة أخرى.

المرصد المصري للصحافة والإعلام استطلع آراء عدد من مراسلي الصحف والمواقع الإلكترونية بالمحافظات للوقوف على طبيعة عملهم في ظل أزمة “كورونا” المستجد، وأبرز الصعاب التي تواجههم.

تنقلات عبر المدن وسط مخاطر الإصابة

في البداية يقول عمار عبد الواحد، مراسل موقع “مصراوي” بمحافظة سوهاج، إن طبيعة عمل المراسل الصحفي في الأقاليم تكون شاقة ومتعبة نظرًا لتحملة مسؤولية محافظة كاملة بجميع مراكزها ومدنها التي تصل إلى 11 مركزًا ومدينة على سبيل المثال كما هو الحال في محافظته، الأمر الذي يُحتم عليه التنقل من مدينة لأخرى بشكل شبه يومي للحصول على المعلومات وتوثيقها بالفيديو والصور، وما يتخلل ذلك من مخاطر محتملة للإصابة نتيجة الاحتكاك مع عشرات المواطنين.

المركزية وتهميش الصحفيين

“المركزية في الإدلاء بالبيانات الخاصة بأزمة كورونا وعدم صدورها تفصيليًا من مديرية الصحة مشكلتنا الكبرى” .. هكذا يستكمل عبد الواحد حديثه معنا، مشيرًا إلى أنه منذ بدء أزمة الفيروس وحتى الآن، ولم يتم صدور بيانات واضحة ومكتملة المعلومات من مديرية الصحة حول المصابين والمتعافين، رغم أن ذلك سيوفر وقتًا وجهدًا في نشر المعلومات، بدلًا من انتظار المعلومات من الوزارة والتي دائمًا ما تكون غير تفصيلية، مما يؤدي لحالة من التساؤلات بين المواطنين في المحافظات التي تظهر فيها الإصابات ومعها تكثر التكهنات .

واستنكر المراسل الصحفي حصول العديد من نواب البرلمان في محافظته على غالبية وقائع الإصابات والوفيات الخاصة بفيروس “كورونا” بالتفصيل وبشكل شبه يومي، في حين لا يمكن للصحفيين أن يحصلوا عليها بحجة “تعليمات الوزارة”.

وضرب عبد الواحد موقفًا آخرًا من مواقف عدم الحصول على معلومات مكتملة في ظل الأزمة الحالية، وهو فور افتتاح المعمل المركزي الخاص بتحاليل ” pcr ”  لم يُعلن عن تشغيله ولم يُسمح لهم بإجراء معايشة حول أهمية المعمل مع اتخاذ التدابير اللازمة لهم، في حين تم السماح لممثلي بعض القنوات بذلك، مستنكرًا ما يُثار ضد الصحفيين في محافظته من أزمات من قبل بعض التنفيذيين في حالة نشرهم أخبارًا صحيحة، ولكنها ليست صادرة عبر “بيان” ، بالإضافة إلى التضييق على الزملاء غير النقابيين، وممن لم يستوفوا أوراق تعيينهم.

أعباء مادية

يستطرد عبد الواحد حديثه قائلًا: “مع الشغل الميداني وتنقلي في أكثر من وسيلة مواصلات هذا يرهقني ماديًا ونفسيًا، وبدأت أتخلى عن بعض الإجراءات الصحية التي كنت أتخذها في بداية الأزمة وانتشار الفيروس نتيجة للأعباء المادية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية ووصول سعر “الكمامة” إلى 10 جنيهات، والقفاز إلى 4 جنيهات ويتم تغييرهما كل عدة ساعات، وهو الأمر الصعب في ظل تكبدنا نفقات تنقل كثيرة .

مخاوف أسرية

اختتم مراسل “مصراوي” بأن الأمر والصعوبات لم تتوقف عند ما سبق ذكره فقط، ولكن أسرته من حين لآخر تعاني الخوف منه نتيجة لاختلاطه الكثير مع المواطنين أثناء عمل التقارير، أو التسجيل مع المتعافين من “كورونا”.

الأوضاع لا تختلف كثيرًا في محافظة المنيا، وتتحدث “تريزا كمال” مراسلة جريدة “المصري اليوم”، قائلة: “إن الحصول على المعلومة الخاصة بأحداث “كورونا” وما يتعلق به، بات أمرًا شاقًا وبشق الأنفس، وتكاد تكون منعدمه خاصة في قطاع الصحة، و الاكتفاء فقط بما يصدر من بيانات الوزارة، الأمر الذي يجعلها معلومة منقوصة لا تحمل تفاصيلًا هامة”.

شائعات لا يمكن معالجتها

تضيف “كمال” قائلة: “كثرة الشائعات التي تتردد عبر صفحات التواصل الإجتماعي فيما يخص ظهور حالات إصابة جديدة، ووقوع عدد من الوفيات بات كثيرًا، وفي نفس الوقت في ظل امتناع مسئولي الصحة عن نفيها أو تأكيدها نقع نحن في موقف صعب كصحفيين ونترجل للحصول على المعلومة من المنبع بعد استنفاذ وقت كبير، من أجل طمأنة المواطنين، وهو ما يهدد حياة المراسل كذلك”.

تستطرد صحفية “المصري اليوم” حديثها: “أنا كصحفية إقليمية وجدت أنه لا مفر من تجاهل الأخبار نسبيًا التي تستهلك وقتًا طويلًا، وبدأت في التركيز على القصص الإنسانية والتحقيقات الناتجة من تلك الأزمة خاصة مع تزامنها مع أسبوع الآلام ويوم القيامة ورمضان”.

وناشدت “كمال” مسئولي الصحة بالمحافظة بتخصيص  جروب أو صفحة رسمية لنشر الأخبار الهامة في تلك الأجواء، مما يعود بالنفع لمنع الشائعات وخلق بيئة آمنة للمواطنين للحصول على المعلومات بدون أكاذيب صفحات التواصل.

غياب الدورات التدريبية للحماية

حسن فتحي مراسل إحدى الصحف القومية بأسيوط، استنكر عدم تخصيص دورات تدريبية لحماية الصحفيين وتعليمهم سبل الوقاية من هذا الفيروس أثناء العمل، خاصة في هذه الفترة الصعبة، مع افتقاد الغالبية منهم لاستخدام الكمامات وغيرها من الأدوات، وكذلك غياب بند بصرف بدل للعدوى للصحفيين في كافة الصحف تقريبًا.

وأشار فتحي إلى أن هناك تكاليف مادية مستمرة يتكبدها المراسل في ظل الأوضاع المادية الصعبة حاليًا، تتمثل في التعقيم المستمر لأجهزته سواء كاميرا أو مايك وماشابهها نتيجة تعامله مع قطاع كبير من المواطنين.

في سياق متصل قال جمال عبد المجيد، مراسل جريدة “الموجز” بمحافظة المنيا، إنه منذ بداية الأزمة وحتى الآن يتعامل هو والغالبية من صحفيي المحافظة بعلاقاتهم مع مصادرهم الخاصة للحصول على المعلومات سواء للتأكد من أية حالات إصابة أو وفيات أو اشتباه، خاصة أن البيانات الرسمية الصادرة من المحافظة تكون مقتصرة فقط على صدور قرار بحجر صحي لأهالي قرية من عدمه، بينما لا يوجد أية بيانات بخصوص المصابين وأعدادهم ومن هم المتعافون.

وأكد عبد المجيد أن صناعة التقارير الإحصائية باتت في غاية الصعوبة من أجل تقريرًا أو انفوجراف حول أبرز المناطق التي شهدت إصابات متكررة، وكيفية التعامل مع سكان تلك المناطق وكذلك أعداد المتعافين في مركز من مراكز المحافظة، بينما يعرض الكثيرين من صحفيي المحافظة حياتهم لخطر الإصابة في حالة إجراء معايشة مع بعض المتعافين داخل قريته والتي قد تكون بها إصابات أخرى لم تظهر بعد، في ظل إجراءات سطحية للمراسل لا تتجاوز “الكمامة” وضعف الرواتب، وعدم وجود موارد مالية أخرى كون غالبية المراسلين ليسوا أعضاءًا بنقابة الصحفيين.

مصادر بديلة

وأشار الصحفي بجريدة “الموجز” إلى حل آخر يلجأ له غالبية الصحفيون وهو التواصل مع أسر المصابين والحصول على أرقام هواتف أسرههم، وهو الحل الأمثل لإجراء المتابعات الإخبارية والتي ينتج عنها العديد من القصص الإنسانية سواء عن المرضى أو “الجيش الأبيض” وبطولاتهم ومواقفهم الإنسانية تجاه هؤلاء المرضى قبل وبعد تلقي العلاج.

إجراءات احترازية تترجم باستقطاع الرواتب

الأمور لا تختلف كثيرًا مع أبو الحسن عبد الستار، مراسل موقع “ولاد البلد” بمحافظة الأقصر، والذي أكد على أن كافة الصعوبات التي تواجه الزملاء السابقة هي عامل مشترك في محافظته كذلك أثناء الأسابيع الأخيرة مع انتشار فيروس “كورونا”، وما يترتب عليه من أزمات في تنفيذ التقارير الإخبارية نتيجة تحفظ غالبية المسئولين وعدم الإدلاء بأية تصريحات، وكذلك انتظار بيانات الوزارة، والتي تكون معلوماتها الخاصة بالمحافظات غالبًا لا تتعد إجمالي المتعافين فقط، مما يلعب دورًا في غياب الشائعات عبر صفحات مواقع التواصل.

“أعمل على قد ما بقدر بما يقلل الاختلاط رغم أن هذا يؤثر على إنتاجي من التقارير ويُترجم بتقليل الرواتب نتيجة لعدم وجود فيديو والاكتفاء بالمادة المكتوبة”.. هكذا يستطرد أبو الحسن عبد الستار، لافتًا إلى أن الكثير من المؤسسات الصحفية تتعامل مع مراسليها في المحافظات بما يسمى “كشف الانتاج” والذي يتم تقسيمه إلى مواد مكتوبة أو صور وفيديوهات، ويختلف كل منها في حساب الأجر، إلا أنه رغم تفاقم أزمة “كورونا” لم تسمح المؤسسات بتعديل نظام العمل فيها، الأمر الذي يدفع الصحفي لأحد الخيارين : الخروج للشارع والتنقل بين القرى والمراكز للخروج بموضوع هام وتعريض حياته لخطر الإصابة بالفيروس، أو البقاء في المنزل واستقطاع جزء من راتبه في نهاية الشهر، وزد على ذلك قلقه المستمر فور العودة للمنزل من التعامل مع المحيطين وبقاءه بشكل احترازي منفردًا بقدر المستطاع.

وأوصى مراسل “ولاد البلد” بضرورة وضع آليات قوية يتم تفعيلها من قبل المؤسسات الصحفية، لتأمين الصحفيين خاصة المراسلين في الأقاليم، مع إجراء تدريبات مستمرة حول وقاية الصحفي لنفسه، واتخاذه الإجراءات الاحترازية لمنع إصابته سواء خلال العمل أو غيره.

صلاحيات بوقف العمل الميداني وميزانيات ضعيفة

جمال عبد المنعم المراسل الصحفي بجريدة “بلدنا اليوم” في محافظة بني سويف، قال إن تقدير المسئولين لخروج المعلومة ليس بالشكل الكافي في محافظته خاصة في قطاع الصحة، في وقت ما احوجنا فيه للمتابعات الإخبارية المستمرة سواء من الجانب المهني، أو خدمة المواطنين لإيقاف الشائعات، لافتًا إلى أن عمله الميداني أصبح قليلًا للغاية في ظل سماح مؤسسته الصحفية له بتخفيض الأعمال الميدانية، رغم أن ذلك لم يكن من طبيعة تنفيذه للعمل.

أكد كذلك “عبد المنعم” أن رواتب مراسلي الأقاليم ضعيفة للغاية، ولا تستوعب إنفاق المزيد منها على أدوات الوقاية ( الكمامات – الكحول – القفازات ) في حالة قيام الصحفي بإنتاج تقارير ميدانية، لذلك فإن التقارير الإخبارية و المتابعات المختلفة التي ينتجها عبر المصادر الخاصة وعبر الهاتف، تكون هي الحل الأمثل.

أمن قومي

ومن جهتها، قالت مرفت الفخراني، محررة في موقع “اليوم الجديد”، أنه مع بداية أزمة كورونا كان هناك (تعتيم) شديد في البيانات الواردة من الوزارة، مما اضطرها إلى البحث عن “مصادر خاصة”، تستطيع من خلالها جمع معلومات متعلقة على سبيل المثال بعدد الحالات المشتبه في إصابتهم بالفيروس داخل محافظة الأقصر، محل إقامتها.

مؤكدةً في الوقت نفسه على أن بعض المواقع والصحف الإخبارية لا تغامر بنشر أخبار أو تقارير خاصة بكورونا إلا بعد صدور البيان الرسمي من الوزارة، فعلى حد قولها بيعتبروه “أمن قومي”، مما جعلها مع مرور الوقت غير متحمسة بمتابعة الأزمة، كما كان في السابق.

قلة التقدير

وعن سبل الدعم والحماية المقدمة إليها، قالت أنه بحكم عملها كمراسلة تغطي أخبار محافظة الأقصر، لا تجد أي دعم أو تقدير ماديًا كان أو معنويًا، خاصة وأنها غير مقيدة بنقابة الصحفيين، وليس معها كارنيه يثبت كونها صحفية، أو تصاريح تسمح لها بالتصوير من الأساس، مشيرة إلى أن هذا هو حال جميع مراسلي المحافظات بلا استثناء.

مجازفة مشروطة

ونتيجة لذلك كانت تجد صعوبة في القيام بعملها الصحفي داخل المحافظة، مما اضطرها في النهاية إلى العدول عن فكرة التغطية الميدانية في الشارع، مكتفية فقط بمباشرة العمل من المنزل، وعن ذلك تقول: “فيه أماكن معينة ماينفعش ندخلها إلا بوجود تصريح.. فيه قرار نزل من مديرية الأمن منع أى حد يصور غير لما يكون معاه كارنيه النقابة أو الجرنال اللي بيشتغل فيه.. وأصلًا المحافظة على بعضها مفيهاش غير 5 صحفيين نقابيين فقط.. فالموضوع صعب وماينفعش أجازف في الظروف دي..شغلي كله بقيت بعمله من البيت.. أنا مش هجازف بنفسي عشان مفيش سبل حماية متوفرة ليا.. ويمكن عشان كدا أنا مقله في تغطيتي الميدانية لأزمة كورونا”.

وعلى الرغم من ذلك، فإنها كانت تجازف من أجل الحصول على المعلومة، مستغلة “معرفتها الشخصية بالناس”، على حد تعبيرها، والتي ساعدتها كثيرًا في عمل انفردات خاصة مع بداية الأزمة، فكانت أول من انفرد بخبر إصابة عدد من الأطباء والفنيين والممرضين داخل إحدى مستشفيات العزل بمدينة “إسنا”، ومع ذلك فوجئت أن الموقع قام بحذف الخبر بعد نشره، لحين إصدار الوزارة بيانها الرسمي، والذي أكدت فيه ـ بعد مرور أقل من ساعة ـ عن وجود أشخاص أُصيبوا فعلًا بالفيروس، وبالطبع كان الأمر كفيلًا باستفزازها، خاصة وأنها كانت قد تحرت عن صحة المعلومة الواردة في الخبر من مصادرها الخاصة داخل المستشفي قبل إرسالها للموقع.

زر الذهاب إلى الأعلى