صفاء سرور.. من حلم جراحة القلب إلى نبض الصحافة الحرة

صفاء سرور.. من حلم جراحة القلب إلى نبض الصحافة الحرة
لم يكن الطريق إلى الصحافة مرسومًا أو واضحًا في البداية، فقد كان حلم الطفولة أن تصبح صفاء سرور جراحة قلب، متأثرةً بقامة طبية بحجم الدكتور مجدي يعقوب. لكن القدر ألقى بقلبها في مسار آخر، حينما كتبت موضوع تعبير في المرحلة الإعدادية، فطلبت منها معلمتها “رانيا” أن تقرأه أمام الفصل. بعد انتهائها من القراءة، دوى التصفيق، ونظرت إليها المعلمة قائلة: “أنتِ لن تصبحي طبيبة، بل صحفية شاطرة”.
ظل الحلم الأول قائمًا حتى المرحلة الثانوية، حيث انتصر الميل الفطري للخيال والسرد والحكايات التي نشأت عليها صفاء في بيت جدها ووسط أسرتها، ليكون ذلك هو بداية علاقتها بالصحافة، التي عززتها بالدراسة الأكاديمية في كلية الآداب، قسم الصحافة، جامعة عين شمس.
كانت أسرتها، خاصة والدها ووالدتها (رحمها الله)، داعمة لاختيارها، رغم قلقهما الدائم من طبيعة المهنة ومتطلباتها، خاصة حين يكون العمل في الشارع والتغطيات الميدانية، لكن الدعم كان دائمًا حاضرًا.
رحلة الصحافة.. من المحلي إلى الاستقصائي
بدأت صفاء عملها فور التخرج، في الصحافة المحلية عبر تجربة جريدة العاصمة، ثم انتقلت إلى صحيفة الديار، ومنها إلى الأهالي التابعة لحزب التجمع، ثم الجماهير، وصولًا إلى المصري اليوم في نسختها الورقية والموقع الإلكتروني، حيث عملت خلال فترة ثورة يناير وما بعدها، وحاليًا تعمل بشكل مستقل مع مواقع مثل رصيف22، والمنصة.
لم يكن العمل المكتبي التقليدي هو خيارها، فقد وجدت شغفها في التغطيات الواقعية والعمل في الشارع، بخاصة فترة الثورة التي شكلت بالنسبة لها مدرسة تعليمية جديدة، حيث مارست الصحافة بأسلوب “الصحفي الشامل”، من التغطية اللحظية وإرسال المواد العاجلة، إلى التصوير والمونتاج، والتقاط القصص الصحفية الحصرية. كانت هذه الفترة غنية بالتحقيقات والتقارير المتميزة التي صنعت بها بصمتها.
تدرجت صفاء في المصري اليوم من مراسلة إلى محررة متخصصة في الملفات الحقوقية والمجتمعية، كما قدمت النشرة الإخبارية والتعليق الصوتي كخدمة إعلامية تقدم للمواطنين، وهي تجربة جذبتها بشدة، مما جعلها تفكر في التوسع في هذا المجال لاحقًا،تقول: “أحببت هذه التجربة وجعلتني أشعر بالتواصل المباشر مع الناس”.
ملفات وقصص صنعت الفارق
ركزت صفاء في عملها على قضايا الحقوق والحريات، خاصة للفئات المهمشة، مثل الأقليات الدينية، والمرأة، والأطفال، وحقوق اللاجئين. كما غطت ملفات متنوعة في الفن والثقافة والمجتمع وحقوق الإنسان.
ومن أبرز القصص التي عملت عليها:
تحقيق حول زواج القاصرات، ونقل شهادات حقيقية من قلب الأزمة.
حوار مع السياسي الفلسطيني نبيل شعث.
تغطية لحادث قطار أسيوط من قلب الحدث، حيث التقت بأهالي الأطفال الضحايا.
حوار مع الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة.
ملف عن الفنانين آدم حنين وناجي شاكر، صانع عرائس “الليلة الكبيرة”.
بروفايل عن السياسي والمناظر البارز عبد المنعم أبو الفتوح، وتغطية مناظرته مع السياسي سليمان شفيق أثناء ترشحهما للانتخابات الرئاسية.
بروفايل عن المترجم الراحل صالح علماني، أحد أهم المترجمين العرب للأدب اللاتيني.
تغطية قضية تيران وصنافير، ورصد تفاصيل حكم المحكمة بمصريتهما.
بروفايل عن المستشار أحمد الشاذلي، قاضي الحكم الأخير بمصرية الجزيرتين، وتقول عن كتابة البروفايل: “أشعر أنني أرسم بورتريه واضح للشخصية ولكن بالكلمات”.
الصحافة.. مهنة البحث عن الحقيقة
بالنسبة لصفاء، الصحافة ليست مجرد نقل للأخبار، بل هي رسم للحقيقة بكامل تفاصيلها. فالصحفي لا يمكن أن يكون آلة تكتب وتنشر فقط، بل يجب أن يحمل القصة داخله قبل أن ينقلها، ليصل إحساسه إلى القارئ.
ورغم أن الجوائز ليست هدفها الأول، إلا أن مشروع تخرجها حصل على جائزة التميز في الكلية، وعرفت بذلك بالصدفة، لأنها ببساطة لم تكن تفكر في التقديم لأي جوائز، بل كانت تركز على المتعة التي تجدها في العمل الصحفي نفسه.
التحديات والطموحات
أكبر التحديات التي تواجهها في المهنة هي غياب المعلومات والمصادر، والضبابية التي تحيط ببعض القضايا المجتمعية الحساسة، بالإضافة إلى المخاطر التي تترتب على التغطيات الصحفية الميدانية في بعض الأحيان.
ترى صفاء أن الصحافة في حاجة إلى مزيد من الحرية والانفتاح، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية على خلفية النشر والتعبير عن الرأي، لأن الرد على الرأي لا يكون بالسجن، بل بالحوار والمواجهة الفكرية. كما ترى أن الصحفي بحاجة دائمة للتعلم والتطوير، وأن المجال الصحفي نفسه يحتاج إلى مزيد من الفرص والدعم للصحفيين/ات الشباب.
وعن أحلامها، فقد خاضت تجربة تقديم البودكاست، وكانت ردود الفعل الإيجابية دافعًا قويًا لها لمواصلة هذا المشروع، الذي تأمل أن تستكمله قريبًا، ليكون امتدادًا لمسيرتها في الصحافة الصوتية.