ميسون أبو الحسن.. صحفية تملك مفاتيح أسرار ملف النقابة
كانت نشأتها حتى مرحلة الدراسة الإعدادية في المملكة العربية السعودية، هي كلمة السر وراء تعلّقها بالصحافة منذ سن مبكرة، رأت فيها الإعلام بابًا مفتوحًا على الحياة، في ظل مجتمع منغلق لا يسمح بمعرفة الكثير عن العالم المحيط، لتصبح قراءة الكتب، والقصص، ونشرات مذيعات القنوات الإخبارية هي عالمها الفريد، الذي تتابعه عن كثب، وتطمح أن تكون جزءًا منه.
الدراسة وخطوات المهنة الأولى
بعدما أنهت ميسون أبو الحسن، ابنة محافظة الإسماعيلية، مرحلة الثانوية العامة عام 2012، لم تضع في حسابها مجموعها الذي يؤهلها لدراسة الهندسة -كما كانت أسرتها تتمنى- لعدم إلمامهم بالمجال الصحفي، واعتباره مجازفة كبيرة، لكنها خاضت تلك المجازفة والتحقت بكلية الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.
تقول للمرصد المصري للصحافة والإعلام: “كانت تخوفات أسرتي من المهنة مرجعها وجودنا في مدينة فايد في محافظة الإسماعيلية، وهي مدينة صغيرة، ولم نسمع عن وجود صحفيين بالمحافظة سوى إثنين، وهما الصحفيان الراحلان سليمان الحكيم، وياسر رزق، فكانت مهنة غير مألوفة بالنسبة لنا، ولا نعرف مستقبلها، وطالما حاول والديَ إقناعي باختيار كلية الهندسة أو الحاسبات، لكنني رفضت”.
تزامنت دراسة “ميسون” للصحافة مع فترة ثورة 25 يناير، وما تبعها من أحداث شكّلت فيها الصحافة حجر الزاوية لنقل ما يحدث في الشارع، وأصبح العاملين/ات بمختلف وسائل الإعلام محط أنظار العالم، لنقلهم ما يحدث من ِحراك في الشارع المصري.
دفع شغف “ميسون” بالمهنة للبدء في المجال العملي؛ لتوثيق ما يحدث في فترة الثورة، واستغلال الأحداث لاكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرات، التي يصعب اكتسابها في الظروف العادية.
تقول: “قررت البحث عن فرصة عمل أثناء العام الثاني من الدراسة الجامعية، وقمت بطباعة سيرتي الذاتية التي لم تكن تحمل أي خبرات سوى الجامعة، وبدأت رحلة بحث في كل صحف مصر القومية والخاصة والحزبية، لطلب العمل، أو حتى التدريب بدون أجر، حتى وجدت فرصة في جريدة الفجر التي كانت أبوابها مفتوحة لدخول محررين/ات ميدانيين/ات لنقل وتغطية الأحداث المتلاحقة، وبالفعل التحقت بالعمل في الجريدة أغسطس 2014، وتدرّبت في صحف ومواقع أخرى بجانب عملي الأساسي في الفجر، أبرزها صوت الأمة في 2016”.
وتعبّر ميسون عن امتنانها لجريدة الفجر، قائلة: “هذا المكان فتح لي أبوابه، وبعد تخرّجي من الجامعة كنت قد اكتسبت بسبب وجودي فيه خبرة كبيرة بالعمل الميداني، حتى أن رئيس التحرير أصرّ على تعييني بشكل رسمي، وإلحاقي بنقابة الصحفيين، وهي حُلم وفرصة كبيرة بالنسبة إلى الكثير من الصحفيين/ات، فالتحقت بها مبكرًا”.
إنجازات مهنية
بسبب وجود “ميسون” في قلب الأحداث، ونقلها كافة التفاصيل بتفاني شديد، ونظام قاسٍ وضعته لنفسها، وهو النزول للشارع في السابعة صباحًا والعودة للمنزل في ساعة متأخرة من الليل يوميًا، بسبب هذا أصبحت مرجعًا للصحفيين/ات والمصورين/ات، وبات اسمها حاضرًا في القنوات الإخبارية المصرية والعربية، لنقل مشاهداتها من مواقع الأحداث.
ونجحت “ميسون” في صناعة قصص إنسانية من قلب الشارع، تحكي بشيء من التفصيل: “كنت أخرج إلى الشارع بشكل يومي، وأبحث عن قصة، ودائمًا كان الله يوفقني بوجود حكاية أسلّط عليها الضوء، لدرجة أن إدارة الجريدة فكّرت في تأسيس موقع مُلحق للرئيسي، لتغطية أخبار الشارع فقط، ويكون من مسؤوليتي، ولكن المشروع لم يكتمل، لكني بقيت أبحث عن قصص من الشارع، تعبّر عن الناس، وأكتب يوميًا عنها”.
نجحت ميسون أبو الحسن في تأسيس قسم لـ”الفيتشر” أو القصص المصوّرة بمؤسسة دار الهلال الصحفية، عام 2020، وهو القسم الذي كان يُأسس لأول مرة من نوعه في “بوابة الهلال”، وهي مؤسسة قومية، وعملت على تدريب نحو 15 صحفيًا، بين مصورين/ات ومحررين/ات، حتى أصبحوا قادرين/ات على إنتاج قصة صحفية إنسانية مختلفة، لاقت قبولًا كبيرًا في القنوات الإخبارية، وتناولتها البعض منهم.
انتقلت “ميسون” لتجربة جديدة في مسيرتها المهنية، حيث عملت كمحرر اقتصاد في الجريدة والمجلة العقارية عام 2022، ما دفعها لاكتساب خبرات جديدة تتعلّق بالملفات الاقتصادية، مثل أقسام الطاقة والبترول، والبنوك، وقطاع العقارات، والاقتصاد الدولي، وغير ذلك، خاصةً وأن بداية هذه التجربة كان اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ما دفع القطاع الاقتصادي لأفكار صحفية قوية ومختلفة، ونجحت في إنجاز العديد من الموضوعات المُميّزة في المجلة والصحيفة، حتى طلبت إدارة الجريدة منها أن تعود للعمل مرة أخرى في منصب مدير التحرير، ولكنها آثرت أن تبحث عن تجربة جديدة.
الصدفة تقودها إلى بلاط صاحبة الجلالة
قادت الصدفة ميسون أبو الحسن إلى بلاط نقابة الصحفيين؛ حيث كانت تُغطي أزمة اقتحام النقابة في مايو 2016، كجزء من العمل الميداني، وخطفتها “ندّاهة صاحبة الجلالة”، وقررت أن تغطي أخبار النقابات المهنية، التي كانت مشتعلة بالأحداث آنذاك.
حصلت “ميسون” على دعم كِبار أساتذة الصحافة والعمل النقابي في ذلك الوقت، أبرزهم الكاتب الصحفي يحيى قلاش نقيب الصحفيين وقتها، والكاتب الصحفي جمال عبدالرحيم سكرتير عام النقابة آنذاك والآن، ورئيس تحرير جريدة الجمهورية الأسبق، اللذان قدما كل أوجه المساعدة لها، حتى نجحت في تحقيق موضوعات صحفية نقابية بامتياز، وتعلّمت منهم مفهوم العمل النقابي، في وقت كان فارقًا بشكل كبير في تاريخ نقابة الصحفيين.
بعد نحو عامين، أقرّ الرئيس عبدالفتاح السيسي القوانين المُنظّمة للعمل الصحفي والإعلامي في مصر، وتشكّلت الهيئات الوطنية للصحافة، والوطنية للإعلام، والمجلس الأعلى للإعلام، فعملت “ميسون” مع زملائها من محرري نقابة الصحفيين، على تأسيس ما يُسمى بـ”الملف الصحفي”، وهو الملف المعني بتغطية تلك الهيئات، مع نقابة الإعلاميين، واتحادات الصحفيين العرب والأفارقة، وهو الملف المعني بشؤون الصحفيين والإعلاميين في مصر.
طوال 8 سنوات، عملت ميسون أبو الحسن على تغطية نقابة الصحفيين، ومن بعدها الملف الصحفي والإعلامي، وكانت الموضوعات الجريئة هي عنوان ما تقدّمه خلال تلك الفترة، ونجحت في احتواء جميع التيارات والأطراف التي كانت في مجلس النقابة، حتى وصلت لأن تكون صوتًا للصحفيين/ات الذين يتعرّضون لأزمات داخل مؤساتهم/ن، مثل الفصل التعسفي وغير ذلك، وبات من يتعرّض لأزمة داخل مؤسسته، يتواصل مع “ميسون” لتنشر عن أزمته بشكل مهني.
تقول في حديثها لنا: “دائمًا كنت أعتبر النشر هو أبسط أنواع الدعم الذي يمكن أن يُقدّم للزملاء، كنت دائمًا أعتبر ذلك واجبًا قبل أن يكون عملًا أُكلّف به، على الرغم من أن الملف الصحفي من أكثر الملفات صعوبةً، خاصةً وأن الزميل الصحفي يصبح هو المصدر، ما يجعل الفصل بين العلاقتين أمر في منتهى الصعوبة”.
قصص إنسانية مختلفة
نجحت “ميسون” منذ 2014 في صناعة قصص إنسانية مختلفة، من جميع محافظات الجمهورية، وأكثر تلك القصص التي أثّرت فيها، تلك التي كانت مرتبطة بالفقر، أو تلك التي كانت مرتبطة بأحداث مأساوية، مثل سقوط عقار، أو حادث قتل، وغير ذلك، ولكن أكثر قصص إنسانية صنعتها وأثّرت فيها، كانت تلك التي كُتبت من معبر رفح، الفاصل الحدودي بين مصر وفلسطين، وكان ذلك في شهر أكتوبر 2023، في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
تقول ميسون أبو الحسن: “توجّهت لمعبر رفح 3 مرات، كانت أكثر مرة أشعرتني بالألم وقت بدء دخول المساعدات للقطاع عن طريق المعبر، عندما شاهدت الأدوية، والإسعافات الأولية داخل الشاحنات، كنت أتمنى أن أكون داخلها، وأعبر للجانب الآخر”.
كانت لحظات قاسية على “ميسون” خلال تواجدها أمام معبر رفح، عندما كانت تشم رائحة البارود، والقنابل التي كانت تُلقى على أهل غزة، وتسمع وتشعر بها في كل لحظة، حتى عندما كانت تتوجّه لمدينة العريش، كانت تسمع وقع تلك القنابل والصواريخ، ولم تنسَ حتى اليوم ذلك الصوت او تلك الرائحة.
غُربة تقود إلى النجاح
النجاح الذي حققته ميسون أبو الحسن كان ورائه غُربة عاشتها طوال 12 عام، منذ أن خرجت من محافظة الإسماعيلية عام 2012 حتى اليوم؛ فتنقلّت بين أكثر من منزل وسكن في محافظة القاهرة، التي انتقلت إليها ولم تكن تعرف فيها أي شخص.
كانت المسافة البعيدة بينها وبين أسرتها حافزًا لها على النجاح، وإنهاء دراستها الجامعية بتقدير عام جيد جدًا مرتفع، وتحقيق نجاحات مختلفة على المستوى المهني، ولكن كانت ظروف السفر قاسيةً عليها بعض الشيء، ماديًا وصحيًا، خاصةً وأنها كانت تسافر في أيام إجازتها الأسبوعية، فلم تجد وقتًا للراحة طوال تلك السنوات.
تقول ميسون أبو الحسن: “إذا مرضت يومًا، كنت مضطرة لأمرّض نفسي بنفسي، وأهتم بنفسي، لأني أعيش وحيدة أو مع أحد أصدقائي فقط، وأهتم بنفسي دون مساعدة أحد، كل ذلك أثّر على صحتي النفسية، لم أرغب في أن أقلق أسرتي، فكنت أعيش كل تلك الظروف وحيدةً، خاصةً وأنني أتعلّق كثيرًا بالأماكن، في كل مرة كنت أنتقل لمكان سكن جديد، كنت أعيش فترة من عدم الاستقرار النفسي، وانقطاع النوم والطعام”.
محاولة لتطوير الذات ثم حُلم
تحاول ميسون أبو الحسن دائمًا تطوير مهاراتها الصحفية، فلم تكتفِ فقط باحتراف الكتابة، ولكن تعلّمت تصوير الفيديو، والمونتاج، وصحافة البيانات، وحصلت على عددٍ من الورش والدورات التدريبية والدبلومات المُصغّرة، من مؤسسات مصرية وأجنبية، وأيضًا استكملت دراستها الجامعية، كباحثة ماجستير بكلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا.
تحلُم “ميسون” بأن تكون أستاذة جامعية بكلية الإعلام، بعد مناقشة الدكتوراه، بالإضافة إلى تأسيس منصّتها الإعلامية، التي تكون متخصصة في الفيتشرات والقصص المصوّرة، والتي تعبّر عن الناس، سواءً في مصر أو الوطن العربي، خاصةً مناطق النزاع والحروب.