دوامة الحروب وقتل الصحفيين.. نصوص غائبة وقواعد منتهية
دوامة الحروب وقتل الصحفيين..
نصوص غائبة وقواعد منتهي
منذ اندلاع الموجة الأخيرة من الحروب الفلسطينية، رصدت المؤسسات الصحفية العالمية مقتل العديد من الصحفيين/ات، فقد رصد موقع ويكيبيديا الشهير، أنه منذ اندلاع الحرب في غزة، قتلت إسرائيل 157 صحفيًا/ة، منذ تاريخ 23 أكتوبر سنة 2023 حتى الآن، كما رصدت أكثر من منظمة حقوقية أن إسرائيل تتعمد توجيه الأذى إلى العاملين/ات في مجال الصحافة والإعلام المتواجدين/ات في ساحات المعارك، كان أهمها موقع هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها منشور بتاريخ 23 سبتمبر الماضي.
لكن ما زال بعد صدور هذا التقرير وفي الشهر الحالي تتزايد أعداد الصحفيين/ات المستهدفين/ات، ففي العاشر من أكتوبر الحالي بتقرير لقناة القاهرة الإخبارية، أفاد أنه: “تظل مهنة الصحافة خطيرة في كثير من الأحيان، لكن إذا كنت صحفيًا/ة في قطاع غزة، فأنت هدف لرصاص الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى إسكات الأصوات وكتم الحقيقة”.
وارتباطًا بذلك ارتفع عدد الشهداء من الصحفيين/ات في قطاع غزة إلى 176 صحفيًا وصحفية منذ بدء العدوان على القطاع في أكتوبر عام 2023، وقد رصد ذلك التقرير أنه: “يمثل استهداف الصحفيين في غزة محاولة لإسكات صوت الحقيقة في ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها غزة، حيث يواجه هؤلاء الأفراد مخاطر متعددة نتيجة لما ينقلوه من معلومات وأحداث”.
وهناك العديد من التقارير التي تفيد وترصد ما يتعرض له الصحفيون/ات من مخاطر أثناء وبسبب تأدية مهام عملهم/ن الصحفي في ميادين الحروب، دون توافر أي نوع من الحماية المستوجب توافرها للصحفيين/ات بحسب نصوص الاتفاقية والقانونية والدولية التي تستوجب ذلك.
فقد جاء في الاتفاقية الدولية الخاصة بسلامة الصحفيين والمهنيين الإعلاميين الآخرين واستقلاليتهم، وبشكل تحديدي في نص المادة الثامنة منه أنه يجب على الدول الأطراف أن تعامل الصحفيين وغيرهم من المهنيين العاملين في وسائط الإعلام، الذين يعملون في مهمات مهنية خطيرة في مناطق النزاع المسلح، كمدنيين، وأن تحترمهم، وتحميهم على هذا النحو، طالما لم يشاركوا، وبشكل مباشر، في الأعمال الحربية. وذلك دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة بمنحهم وضع أسرى الحرب المنصوص عليه في المادة 4.أ.4 من اتفاقية جنيف الثالثة.
كما اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1738 لسنة 2006 بإدانة الهجمات
ضد الصحافيين في حالات النزاع.
ويشير في القرار إلى “ضرورة اعتبار الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، العاملين في بعثات مهنية تحفها المخاطر في مناطق النزاع المسلح، أشخاصًا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه”. ويحث أطراف النزاعات المسلحة أيضًا على حماية المدنيين لالتزامها بذلك بموجب القانون الدولي الإنساني.
وبصفتهم مدنيين يتمتع الصحفيون أيضًا بالحماية بموجب قرار مجلس الأمن 1894 لسنة 2009.
وكذلك أيضًا تعترف المحكمة الجنائية الدولية بخصوصية عمل المراسلين الحربيين وقيدت التزامهم بالمثول كشهود. إن حماية المصادر الصحافية وسرية المهنة لا تحظى بالتقدير بوضوح واتساق في القوانين الوطنية؛ وفي بعض البلدان تغيب هذه الأحكام القانونية، ونتيجة لذلك، فإن مثل هذا الحق لا يُمنح للصحافيين. وفي قضية راندال ( المدعي العام ضد برديانين وتاليتش (IT-99-36-AR73.9)، قرار في الاستئناف التمهيدي، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2002)، أقرت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بأن المراسل الحربي ينبغي اعتباره مراقبًا مستقلًا وليس شاهدًا محتملًا للادعاء. وفي الفقرات 36 و38 و50 من قرارها، رأت دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أن الصحافي الذي يعمل في منطقة حرب يخدم “الصالح العام” لأنه يقوم “بدور حيوي بأن يلفت انتباه المجتمع الدولي إلى الفظائع وواقع النزاع”.
ومن أجل حماية قدرة الصحفي على القيام بمهامه، منحته دائرة الاستئناف امتياز الشهادة احترامًا لأحداث تتعلق بعمله، كما طلب المستأنف، جوناثان راندال. وقررت المحكمة أن اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1738 لسنة 2006 بإدانة الهجمات ضد الصحفيين في حالات النزاع. ويشير في القرار إلى “ضرورة اعتبار الصحفيين وموظفي وسائط الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، العاملين في بعثات مهنية تحفها المخاطر في مناطق النزاع المسلح، أشخاصًا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه”. ويحث أطراف النزاعات المسلحة أيضًا على حماية المدنيين لالتزامها بذلك بموجب القانون الدولي الإنساني. وبصفتهم مدنيين يتمتع الصحفيون أيضًا بالحماية بموجب قرار مجلس الأمن 1894 لسنة 2009.
ومن الناحية الواقعية فقد طالبت لجنة حماية الصحفيين بإجراء تحقيقات سريعة وشفافة ومستقلة بشأن جميع الصحفيين الذين قتلوا على يد قوات الدفاع الإسرائيلية، كما وجهت تحذيرات متكررة للأطراف المتحاربة بأن الصحفيين هم مدنيون بموجب القانون الدولي، ويمثل استهدافهم جريمة حرب.
وبالمثل، قالت لجنة حماية الصحفيين إنه يتوجب على إسرائيل الامتثال للأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية مؤخرًا لضمان المحافظة على الأدلة، وهذا الأمر هو أحد الوظائف الأساسية للصحفيين إذ أنهم شهود عيان في الخطوط الأمامية، وكانت محاكم خاصة سابقة قد اعتمدت على عملهم بوصفه يوفر أدلة على الأحداث.
إلا أنه وكأن شيئًا لم يكن، وكأن هؤلاء الذين فقدوا حياتهم أثناء ممارسة أعمالهم ، وفقدهم ذويهم لا قيمة لهم مع كم تلك النصوص الاتفاقية أو القانونية، والتي لم تكن كافية في وجودها، ليس لمنع حالات القتل، بل على أقل تقدير لتقليل حجم الخسائر، ومحاولة وقف نزيف الدماء، الذي ليس له أي علاقة بين طرفي النزاع، أو الأطراف المتحاربة. إذ ما زالت الحماية الدولية للصحافيين تواجه تحديات جسامًا، وخاصة للصحفيين العاملين في مناطق النزاع. ذلك على الرغم من إتاحة القانون الإنساني وضعًا خاصًّا للصحافيين في حالات النزاع المسلح الدولي وينطبق على مهام المراسل الحربي نظام الاعتماد لدى القوات المسلحة للدول الأطراف في النزاع. ويستتبع تزايد النزاعات المسلحة غير الدولية وحالات العنف الأخرى حديثًا زيادة الحاجة إلى استقلالية الصحفيين عن القوات المسلحة الحكومية.
ونادرًا ما تتوافق حاجة الصحفيين إلى الاستقلالية مع النظام القائم وقد تعرضهم للعنف من جانب الأنظمة الاستبدادية أو جماعات الثوار أو الجماعات الإجرامية، ذلك على النحو الذي تؤكده قواعد اتفاقيات جنيف الخاصة بقواعد القانون الدولي الإنساني المعني بحماية المدنيين في حالات الحروب.
لكن يبدو أن هذا العالم الذي بات من المؤكد أنه تحكمه قواعد القوة الغالبة وسياسات المصالح يطبق القواعد القانونية على نحو يتفق وحسب احتياجات من له الغلبة والتحكم في تلك القواعد، وأن أساسيات القانون الدولي الإنساني، أو الاتفاقيات الحقوقية لم تزل في الحاجة الماسة إلى التفعيل العادل، بغض النظر عن ميزان القوة، أم أن هناك حاجة إلى وضع قواعد جديدة واسس جديدة للمجتمع الدولي.