إسراء النمر.. صحفية معجونة بموهبة الشعر

بطلة الأسبوع الحالي، صحفية ولجت إلى عالم الأدب والإبداع عن طريق مهنة البحث عن المتاعب، واشتهرت بتقاريرها وتحقيقاتها الصحفية المميزة.. في المساء تحتضن قلمها بحنو وعطف شديدين، لتشرح كل ما يدور في خلدها من معانٍ، وتعبر عن مشاعرها الدفينة بأسلوب ذكي وموسيقي، وبإضافة الكلام الموزون مع الخيال تخرج القصيدة الشعرية في أوج صورها، وفي الصباح تخلع إهاب الشعراء، لتعيش ساعات فى عالم الصحافة وأخبارها الدائرة مثل أطباق الفضاء.. فتعالوا بنا نتعرف على السيرة الذاتية للكاتبة الصحفية إسراء النمر.

 

وُلدت إسراء النمر في مدينة القاهرة عام 1991، فى طفولتها كانت إسراء شخصية خجولة قليلة الكلام، تفضل الجلوس بمفردها ولا تحب الاختلاط بالآخرين، لأنها تفتقد القدرة على التواصل معهم، لذا عندما نجحت فى الثانوية العامة واختارت دراسة الصحافة تفاجأت عائلتها من القرار، ﻷنها من وجهة نظرهم لا تستطيع التحدث أو التعامل مع أحد، وكانت فكرتهم عنها أنها لا تجيد الكتابة، وكان والدها هو من يكتب لها موضوعات التعبير فى المدرسة. وفى الحقيقة كانت بطلتنا موهوبة منذ صغرها، إلا أنها كانت تتعامل مع الكتابة على أساس أنها فعل سري، حيث كانت تمحو كل ما تكتبه من نصوص سردية وشعرية، حتى لا يقع في أيادي أحد من عائلتها أو المقربين منها.

 

منذ اليوم الأول الذي التحقت فيه بكلية الإعلام، كانت إسراء تشعر أنها تمشي على الجمر، أو أن هناك قطارًا يسير خلفها، وأن عليها أن تتحرك، وأن تجري حتى لا يدهسها هذا القطار. وﻷن المواد الدراسية في الكلية كانت نظرية وبعيدة تماماً عما تريد، عكفت بطلتنا على تعليم نفسها، فاشتريت كمًّا هائلا من الكتب والجرائد، وبدأت تقرأ وتدون بشكل يومي كل ما يلفت انتباهها من أفكار أو مصطلحات أو رؤية مغايرة لطرح القضايا.

 

وعندما شعرت أنها جاهزة للعمل الصحفي بدأت مبكرًا البحث عن عمل، وفي الترم الأول من السنة الدراسية الأولى طرقت باب إحدى الصحف الصغيرة، وهو “جورنال الشارع”، وقالت لهم إنها تريد أن تعمل معهم، -تعمل ولا تتدرب-، وكان الأمر أشبه بمزحة حينها.

 

تعلمت إسراء في هذا المكان شيئاً لم تتعلمه فى مكان آخر، وهو أن زاوية النظر للأشياء تختلف باختلاف البشر، وأن عليها اختيار زاوية الموضوع الذي تريد كتابته، لهذا كانت ترفض خلال سنوات عملها الأفكار التي تُطرح عليها، ليس من باب التعالي، ولكن ﻷنها لن تستطيع مهما فعلت أن ترضي من اقترحها، لأنه ينظر للموضوع من زاوية تخصه وحده، فقد كانت ترى ضرورة أن تكون متشبعة تماماً بالفكرة وملمة بكل جوانبها حتى تستطيع الكتابة عنها.

 

في أكتوبر 2010، كانت إسراء النمر في السنة الدراسية الثالثة، وكانت تشعر بتيه حقيقي، لأنها لا تعرف بداية للعمل الصحفي الجاد، كانت وقتها تكتب بغزارة، وكانت الكتابة تصل للبعض، فاقترح عليها أحد الصحفيين في مجلة “آخر ساعة” التي تصدر عن مؤسسة “أخبار اليوم” أن تتدرب معهم.

 

وافقت إسراء على عرض التدريب “في آخر ساعة”، وظلت أربعة أشهر مثل شيء مهمل في صالة التحرير، حتى قامت ثورة 25 يناير 2011، وتغير الجو العام كله، وبالأخص الصحفي، حيث الرغبة المسيطرة حينها في ضخ دماء جديدة، كانت بطلتنا بالنسبة لإدارة المجلة دماً جديداً وطازجاً، وكان أول تحقيق تعده عن تهريب الحبوب الغذائية إلى إسرائيل أثناء الثورة، وقد لقى هذا التحقيق صدى هائلاً في الإعلام.

 

تلقت إسراء النمر دعماً كبيراً في مجلة “آخر ساعة”، خاصة من الكاتبة الصحفية الكبيرة ثناء رستم، التي عملت إسراء تحت إشرافها في قسم التحقيقات، والتي كانت تُسهل لها كل الفرص المُمكنة حتى تستطيع أن تعمل بحرية وراحة، وأن تنجز كل ما تريده من أفكار. وتقول إسراء للمرصد المصري للصحافة والإعلام، :”لولا ثناء رستم لكنت استغنيت مبكراً عن العمل في الصحافة، لصعوبة بيئة العمل التي تضعك طيلة الوقت في ضغوطات فكرية ونفسية”.

 

تخرجت بطلتنا، في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام ٢٠١٢، (قسم الصحافة)، وهي الكلية التي حلمتُ بها طيلة عمرها، رغم أنها بعد التخرج رأت أن الطريق إلى الصحافة ليس ضرورياً أن يمر بهذه الكلية، وأنها لو درستُ شيئاً آخر لكان أكثر فائدة بالنسبة لها، لأنها تعتبر الصحافة موهبة في المقام الأول، ثم إلتزام بقواعد وأخلاقيات المهنة التي نكتسبها مع الوقت في بيئة العمل.

 

بعد التخرج، لم تجد إسراء صعوبة في الالتحاق بمؤسسة صحفية، لأنها كانت بالفعل على قوة مجلة “آخر ساعة”، محطتها المهنية الأولى، التي انتهت في 2015، وقد تخلل هذه المحطة فرصًا كثيرة، ومحاولات للعمل والتعلم في أماكن مختلفة، أبرزها فرصة العمل في مجلة “السياسي” التي كانت تصدر عن مؤسسة المصري اليوم، وكانت مجلة مبشرة ومطمح لأي صحفي، وشعرت بحظ كبير عندما انضمت لفريق المجلة، لكنها للأسف أغلقت في مارس 2013.

 

تخصصت إسراء في كتابة الموضوعات الاستقصائية التي تحمل جانباً إنسانياً، وسافرت إلى المحافظات لتكشف ما بها من أشياء مجهولة، سافرت عدة مرات إلى سيناء لتعد تحقيقاً عن عصابات تهريب البشر لإسرائيل، وعن المخاطر التي تتعرض لها البنية التحتية في مدينة رفح، وعن الأنفاق في القري التي تقع على الحدود. كما كتبت عن أهالي جزيرة العربي الواقعة وسط بحيرة المنزلة.

 

أما ثانِ محطات إسراء المهنية، فتمثل في انتقالها للعمل في جريدة “أخبار الأدب”، والتي تصدر أيضاً عن مؤسسة “أخبار اليوم”، في أكتوبر 2015، وهي الجريدة التي غيرت مسار بطلتنا من صحفية تحقيقات إلى صحفية ثقافية حتى اليوم.

 

ولم تكن إسراء النمر تخطط لهذا التحول، لكنها الصدفة البحتة التي عرفتها برئيس تحرير “أخبار الأدب” الأستاذ طارق الطاهر في ذلك الوقت، والذي طلب منها الانضمام للجريدة، فوافقت على الفور، لما تتمتع به الجريدة من تاريخ، وما يتمتع به طارق الطاهر من خبرة وموهبة في الإدارة والعمل الصحفي معاً، وقد أعطاها أيضاً مساحتها الكاملة في العمل، ونتيجة لهذا التحول في المسار المهني شعرت أنها في المكان المناسب، ولا تزال إسراء تعمل حتى اليوم في جريدة أخبار الأدب.

 

لأنها تجيد الكتابة الأدبية، ودائمة القراءة، أثبتت إسراء جدارتها سريعاً في “أخبار الأدب”، خصوصاً بحواراتها مع الكتاب والشعراء، حتى صارت من أهم الصحفيين الثقافيين في مصر.

 

إلى جانب ذلك، تم اختيارها في مارس 2022، ضمن فريق هيئة تحرير مجلة “الثقافة الجديدة”، حيث تولت منصب نائب رئيس التحرير، لتبدأ مرحلة جديدة في المهنة، والتي يتخللها مسئولية كيان تعتز به، وليس فقط مسئولية موضوعها الصحفي الذي يحمل اسمها.

 

تشعر إسراء في مجلة “الثقافة الجديدة” أنها تعمل على مشروع ثقافي كبير، وليس فقط مشروع شخصي، فمؤخراً مثلاً أصدرت المجلة التي يرأس تحريرها الكاتب الصحفي طارق الطاهر، أول كتاب باللغة العربية عن الأديبة الفرنسية “آني إرنو” بعد فوزها بجائزة نوبل في الآداب في أكتوبر 2022، وقامت هى بإعداده وتقديمه، وشارك فيه عدد من المترجمين المصريين والعرب. وقد تم توزيع الكتاب مجاناً مع عدد نوفمبر الماضي.

بجانب هذا كله، تكتب إسراء النمر الشعر، ولديها ديوان شعري واحد وهو “العيون التي غادرت سريعاً” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 2020، والذي تناوله واهتم به عدد كبير من النقاد، أبرزهم الناقد الراحل الكبير الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق.

 

وتعمل إسراء فى الفترة الحالية على ديوانها الثاني، الذي يحمل اسم “ما الفردوس سوى اسم جدتي”، كما تعمل على كتاب يتناول سيرة أحد الروائيين المصريين وهو حسين عبد العليم، والذي حصل في أغسطس الماضي على منحة آفاق للكتابات الإبداعية والنقدية.

 

ورغم كونها شاعرة موهوبة، إلا أنها تعتز أكثر بوصف صحفية، باعتبارها المهنة التي شكلت كيانها، وأخذت بيدها إلى ذاتها، ومن ثم إلى الشعر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى