ريم الهواري.. صحفية وصانعة أفلام وثائقية من طراز خاص
من قلب مشكلات الصعيد الذي يعاني التهميش والإقصاء من الخدمات الاجتماعية، كانت النبتة الأولى لتشكيل أفكار الصحفية ريم الهواري، التي تعمل حاليًا صانعة أفلام وثائقية، والحاصلة على فضية أفضل تقرير إنساني في مهرجان New york film festival في ٢٠٢٢، وعلى ذهبية وفضيتين من مسابقة telly award في ٢٠٢٣، وأيضًا في ٢٠٢٤ ترشحت للقائمة النهائية لجائزة سمير قصير لحرية الصحافة.
بداية حب الصحافة
بدأت عملها الصحفي منذ عام 2010، تخرجت في كلية الآداب قسم الإعلام بجامعة عين شمس في 2015، غير أن حب الصحافة بدأ معها في طفولتها، في عوالم الكتب والحكايات حيث تشكلت أفكارها الأولى بين طيات الصفحات وكلمات القصص التي كانت ترويها لها أمها، بينما كان والدها جزءًا من هذا العالم بهوايته الحديث عن التاريخ والأدب والأحداث العامة، تقول ريم للمرصد: “كنا نتبادل الحكايات ونعيد التأمل فيها، في بيتنا لم يكن الحديث عن السياسة والأحداث العامة بعيدًا عن نقاشاتنا اليومية بل كان جزءًا أساسيًا من تشكيل وعينا بالحياة من حولنا، كنا نتحدث عن الأحداث التي تشهدها البلاد، نتبادل الآراء ونتساءل عن الحقائق الكامنة وراء الأخبار”.
وتضيف ريم: “كان والدايً يسعيان إلى ترسيخ هذا الفضول في داخلي، ما كان يحفزني على التفكير النقدي على أن أبحث خلف الظواهر، واتساءل عن الحقيقة، وكان أول مقال صحفي لي في المرحلة الإعدادية، سجلت فيه موقفي من إعدام صدام حسين، وتساءل المعلمين لماذا أكتب عن مثل هذه القضايا الكبيرة”، ومن هنا كانت البداية.
وكما كانت السياسة والأدب جزءًا من عالم ريم وبيتها، كان الفن أيضًا حاضرًا بقوة في حياتها من خلال كتابتها الأدبية أو التصوير، كوسائل فنية كانت تترجم بها ريم أفكارها ومشاعرها وتنقلها عبر قصص وصور تحمل بصمتها الخاصة، تقول: “كانت الكتابة نافذتي لفهم العالم من حولي، وإيصال قضاياه، كما دفعني حب الأدب إلى كتابة قصص قصيرة شاركت بها في عدة مسابقات، وحصدت من خلالها عدة جوائز، فكان الفوز أشبه برسائل تشجعني على المضي نحو المزيد من الإنجاز، وإطلاق أفكاري في هذا العالم”.
خلال سنوات المراهقة انتبهت عين ريم إلى ما هو أبعد من قراءاتها في بيتها، لترى معاناة أهل الصعيد حيث تعيش، لم يكن الإعلام يستمع صوت هذا المكان وأهله بشكل كافٍ، ولم تكن قضايا الصعيد ضمن خارطة تسليط الضوء، من هنا بدأت بكتابة موضوعات وتحقيقات صحفية عن هموم الصعيد وأحلامه، وعن معاناة المرأة هناك وأزماتها، وسط غياب الدعم وتحديات المركزية.
التنقل بين المؤسسات الصحفية
بدأت خطوات ريم الأولى في الصحافة مع جريدة الوفد التي كانت تصدر نسخًا محلية للصعيد، كانت وقتها في المرحلة الثانوية، لكنها معجونة بالرغبة في الكشف عن قصص المهمشين، وتعلمت لأجل هذا فن التصوير الفوتوغرافي، لاتسجل في صورها ملامح الحياة وحكايات الوجوه.
وفي عام 2011 انتقلت لدراسة الإعلام بجامعة عين شمس، حيث كانت الأجواء تموج بالأحداث، وكانت الجامعة ساحة لأحلام وطموحات الشباب وكانت مظاهراتهم ومطالبهم بوصلة جديدة تتابعها وتوثقها، وتعلمت وقتها كيف تقع مسؤولية حماية الصحفي لنفسه عليه وحده.
انطلقت رحلتها الصحفية مع جريدة الوفد حيث عملت في مكتبها بأسيوط، ونشرت مجموعة تحقيقات تناولت قضايا ومشاكل أهل الصعيد، وخلال سنوات الجامعة انضمت إلى جريدة الصباح، وتلا ذلك عملها مع موقع “اتفرج”، المتخصص في صحافة الفيديو لتنمي علاقتها بالكاميرا، وتتعمق في فن التوثيق، حيث باتت الكاميرا أداتها لنقل مشاهد حياة الناس وقصصهم اليومية.
شهدت تلك الفترة نشاط ريم الصحفي بصناعة قصص إنسانية وأفلام وثائقية، واجهت فيها تحديات كبيرة، لكن أسفرت عن صعودها خطوات أكثر مهنية، ومنها عملها في موقع العربية نيوز، حيث قدمت العديد من القصص والتحقيقات المصورة.
ثم انضمت لجريدة البديل، قضت فيها فترة مليئة بصناعة التغطيات الخصاة بالقضايا الاجتماعية والسياسية، وكانت مسؤولة عن الكتابة والتوثيق لقصص تكشف حياة الناس ومعاناتهم، كما أتيحت لها فرصة إنتاج أفلام وثائقية لصالح منظمات مجتمع مدني مثل الاتحاد الأوروبي، حيث وثقت مشاريع تنموية مما أضاف إلى خبرتها في الإنتاج الوثائقي.
انتقلت ريم للعمل في شركات إنتاج الأفلام الوثائقية، إلا أنها شعرت بحنين شديد للصحافة، فعادت للعمل مع منصة الساحة، وخلال هذه المرحلة شاركت في إنتاج مئات القصص الوثائقية القصيرة، وحصدت على عدة جوائز.
جابت ريم مع كاميرتها محافظات مصر كلها، لتبحث عن قصص تستحق أن تُروى، وعن أناس يستحقون أن تحكي عنهم، وتوثق تفاصيل حياتهم. تقول: “كانت رحلاتي بين السفر والكاميرا مليئة بالشغف؛ علاقتي بالقصص ليست مجرد نقلها، بل هي شعور عميق أعيشه وأتجاوب معه، فتندمج قصصهم مع حكايتي، وتصبح كل حكاية جزءًا جديدًا من رحلتي. وفي كل صورة ألتقطها وكل لقاء أجريه، أرى وجوهًا تحمل قصصًا تنتظر أن تُحكى، وأشعر أنني أحيا هذه القصص بقدر ما أحكيها”.
جوائز وتكريمات:
حصلت ريم خلال مسيرتها الصحفية على عدة جوائز، ومنها فضية أفضل تقرير إنساني في مهرجان New york film festival في 2022، وذهبية وفضيتين من مسابقة telly award في 2023، وأيضا ترشحت للقائمة النهائية لجائزة سمير قصير لحرية الصحافة عام 2024.
قضايا محط الاهتمام:
اهتمت خلال عملها بقضايا اللاجئين في مصر ، وخاصة الفارين من الحروب الذين جاءوا بحثًا عن الأمان. وسلطت الضوء خلال هذا الملف على تحديات التأقلم والاندماج في ثقافة جديدة، وصعوبات الحياة التي يواجهونها يوميًا، بهدف سرد قصصهم من منظور إنساني، كما أنتجت عدة أفلام حصد منها عدة جوائز .
وبسبب نشأتها في الصعيد، اهتمت أيضًا بقضايا من هم خارج حدود العاصمة، البعيدين عن الإعلام ومن لديهم إنجازات تبقى في الظل، وكذلك اهتمت بتغطية قضايا الأقليات في مصر بشكل عام سواء كانت دينية أو عرقية أو جنسية، كما يشغلها دائمًا العمل على قضايا المرأة في مصر والذي يندرج تحته قضايا العنف الزوجي والأسري، وغيرها من الهموم التي تعاني منها كثير من نساء في مصر.
وتعتبر ريم جميع موضوعاتها قريبة من قلبها، لكن هناك موضوعات تأثرت بها كثيرًا، ومنها تغطية أحداث الدفاع الجوي، تحكي عنه: “وقتها وجدت نفسي أقف عند المشرحة حتى لقبوني زملائي بفتاة المشرحة لتغطيتي المتكررة لأحداث مؤلمة هناك.. كانت تلك التجربة صعبة ومؤثرة للغاية تعلمت من خلالها كيف يكون الحزن والفقد، وكيف تتشابك الأحداث السياسية بحياة الناس الشخصية”.
أما الموضوع الثاني الذي تأثرت به وترشحت بسببه لجائزة سمير قصير، فكان عن لاجئة سودانية هربت من الحرب والظروف السياسية والاقتصادية القاسية، جاءت إلى مصر في ظروف صعبة لكنها استطاعت أن تحول حياتها إلى الأفضل لها ولابنتها، وما زالت مستمرة في محاولاتها رغم وجود أهلها في السودان.. وتحاول دعم السودانيين الفارين من الحرب والقادمين إلى مصر.
تحديات العمل الصحفي وأحلام المستقبل:
تعتبر ريم أن العمل في مجال الأفلام الوثائقية يحتاج لرحلة لا تتوقف من التطور المستمر والتعلم الدائم لمهارات وأدوات جديدة، تقول: “ينبغي أن نظل متابعين لكما ترى أن واحدة من التحديات الكبرى هي الجلوتقنيات الأفلام الوثائقية ومدارسها داخل مصر وخارجها، وأن نعمق أبحاثنا باستمرار، وهو أمر ليس بالهين”.
بالإضافة إلى تحد الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية أمام مصادر تروي قصصًا مؤلمة تحتاج لتعلم الصحفي/ة التحكم في انفعالاته/ا، عطفًا على تحديات تتعلق بعضوية نقابة الصحفيين، وخاصة للصحفيين الإلكترونيين الذين/اللواتي لم يعترف بهم/ن بعد في النقابة رغم سنوات العمل الطويلة مما يحرمنا من الحماية- على حد قولها.
وتحلم ريم بالاستمرار في العمل على قصص الناس التي لم تُروَ بعد من مصر، ومن أنحاء العالم، تقول: “أحلم أن يرافقني الصدق والحقيقة في كل خطوة أخطوها، وأن أصنع المزيد من الأفلام التي تلامس القلب، وتساهم في إحداث التغيير”.