محمود حسين جمعة.. 4 سنوات من الحبس الاحتياطي (بروفايل)

في الثاني عشر من الشهر الجاري، أكمل الصحفي محمود حسين جمعة عامه الـ54، وهو لايزال قابعًا داخل زنزانته في الحبس الاحتياطي بسجن ليمان طره، وبالأمس مر 4 أعوام منذ أول تحقيق معه أمام النيابة في القضية الأولى رقم 1152 لسنة 2016، والتي أخلي سبيله فيها يوم 21 مايو 2018، قبل أن يتم تدويره على ذمة القضية الحالية رقم 1365 لسنة 2018، بذات الاتهامات التي وجهت له في القضية الأولى وهي الانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون وبث ونشر أخبار كاذبة.

قبل 4 سنوات

تعرض الصحفي محمود حسين جمعة، مدير مراسلي مكتب الجزيرة بالقاهرة، ومدير مراسلي قناة النيل للأخبار سابقًا، يوم 20 ديسمبر 2016، إلى الاستيقاف في مطار القاهرة الدولي فور عودته من الدوحة لقضاء إجازته السنوية في مصر، ولم يُطلق سراحه إلا بعد 15 ساعة من التحقيقات مع سحب جواز سفره.

بعد يومين، تلقى “جمعة” اتصال هاتفي من مقر مباحث أمن الدولة بالجيزة يطلب منه الحضور لاستلام جواز سفره، ومن هناك تم اقتياده -بعد انقطاع الاتصال به لأكثر من 10 ساعات- مُقيدًا إلى منزله، حيث جرى تفتيشه ثم اقتياده إلى جهة غير معلومة بعد إلقاء القبض على شقيقيه”عمر وناجح” عقب مداهمة منازلهم جميعًا. وأُطلِق سراح شقيقيه بعدها بـ 11 ساعة.

كانت نيابة أمن الدولة قد أعلنت وقتها عن حبس محمود حسين 15 يومًا على ذمة التحقيق، ليتم نقله إلى سجن القاهرة/مجمع سجون طرة في 28 ديسمبر بعد قرار حبسه احتياطيًا على ذمة القضية رقم 1152 لسنة 2016 حصر تحقيق أمن دولة، بتهم نشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية لمصر واصطناع مشاهد وتقارير إعلامية والترويج لأخبار كاذبة بما يهدد أمن الوطن.

وكما قالت ابنته زهراء في حديثها لـ” المرصد“: “عندما علمنا بهذه الزيارة طلبنا منه عدم النزول خوفًا عليه، لكنه أخبرنا أن لا شيء يقلقه، رغم أنه خلال هذه الفترة كانت العلاقات متوترة بين مصر وقطر، فضلًا عن أن قناة الجزيرة كانت قد نشرت فيلم “العساكر.. حكايات التجنيد الإخباري في مصر”، مؤكدة أن والدها لم يكن ضمن فريق العمل فيه. عند وجوده في المطار أوقفته قوات الأمن وسحبوا جواز سفره، ثم عاد إلى بيته لمدة يوم واحد، وفي يوم 23 ديسمبر تلقى والدها استدعاء لاستلام جواز السفر، إلا أنه اختفى في هذا اليوم حتى الحادية عشرة مساءً، ثم رجع إلى البيت بصحبة قوات الأمن وحوالي 40 فردًا يرتدون زيًا ملكيًا وميريًا، وعربات تأمين، مؤكدة أنهم قاموا بتفتيش بيت العائلة كله، فضلًا عن تكسير الأبواب، واصطحبوه وشقيقيه، واللذين اختفيا قسريًا لمدة 11 يومًا، إلا أنها أوضحت أن والدها اختفى لمدة يومين، وأُعلن من خلال التلفاز أنه تم إلقاء القبض عليه وسيتم عرضه على النيابة للتحقيق معه، وتم نقله إلى سجن القاهرة تحقيق للمحبوسين احتياطيًا، في سجون طرة بالمعادي، يوم 29 ديسمبر 2016”.

وتابعت في حديثها أنه خلال الفترة الأولى من حبس والدها لم يكونوا على علم بمكانه، ثم أُعلن حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، في القضية رقم 1152 لسنة 2016 حصر أمن دولة، مؤكدة أن التهم التي وُجهت إليه في بادئ الأمر أنه كان يقوم بنشر أخبار وبيانات كاذبة عن الأوضاع المصرية، ويصطنع مشاهد وتقارير كاذبة ويهدد الأمن القومي.

ولفتت “الزهراء” إلى أن قناة صدى البلد، الفضائية المصرية الخاصة، نشرت في ذلك الوقت مقطع فيديو له بعنوان “اعترافات الإرهابي محمود حسين مسؤول مراسلي قناة الجزيرة”. إلا أنها أنكرت ذلك مؤكدة أن والدها في ذلك الفيديو كان يتحدث عن فترة عمله في القاهرة وأن المكتب الذي يعمل فيه مرخص، الأمر الذي يعني أنه فيديو معلوماتي، متعجبة خلال حديثها من وصف والدها بأنه عميل وإرهابي وصانع فيلم العساكر. وعن أول فترة حبس مرت على والدها تقول”زهراء” كانت حبسًا انفراديًا، لمدة 100 يوم،

الوضع الصحي والنفسي

بتاريخ 13 يونيو 2017 ، تعرض “جمعة” لكسر في ذراعه الأيسر، وقد التأم العظم بشكل خاطئ ما استدعي خضوعه لعملية جراحية لم تجري في وقتها، وأوضحت ابنته أنه يعاني حاليًا من رعشة بذراعه، ولا يحركه بشكل جيد، لكنه يعالجه بالمسكنات، كما أصيب يخشونة في الركبة، بسبب الرطوبة وقلة الحركة. وخلال أيام الجلسات التي يكون ملزمًا فيها بالحضور إلى المحكمة يعاني “جمعة” من الإرهاق الشديد والضغط العالي.

الزيارات

كانت آخر زيارة من أسرة محمود حسين له في السجن، منذ أسبوع تقريبًا، وأكدت ابنته في حديث سابق لها مع” المرصد”، أنه لم تكن هناك زيارات أهلية في بداية فترة الحبس لمدة 21 يوم، ثم فُتح لهم باب الزيارة بعد ذلك بشكل أسبوعي، لكنهم كانوا يُعانون الانتظار حوالي 6 أو 8 ساعات حتى يسمح لهم برؤيته.

وأوضحت أن زيارتهم كانت تتم بشكل منفصل في حضور بعض الأفراد من السجن، وذلك لمدة عام كامل، وفي السنة التالية أكدت أن زيارتهم كانت بصحبة الزيارات العادية للأهالي.

وتابعت ابنة محمود حسين في حديثها أنه في بادئ الأمر لم يكن مسموحًا بدخول الأدوية، وكذلك الكتب، في حين أنهم كانوا يسمحون بوجبة طعام ليوم واحد، وملابس محددة، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي، سمحوا لهم بدخول أدوية محددة ويستدعي ذلك بعض الوقت لخضوعها للفحص، وبعض الأشياء الأخرى التي يسمحون بها، معتبرة أن الوضع الحالي أفضل مما سبق.

وضعت زهراء طفلها الأول “آدم” منذ 6 أشهر ، وحرصت على أن ترسل صورة له إلى والدها مع أحد أعمامها خلال زيارته.

تتذكر زهراء أو” زهرة” مثلما يناديها والدها، لحظة كتب كتابها وزواجها في يناير 2019 دون وجود ه بجانبها، وتصفها بـ” الفرحة المنقوصة”، تلى ذلك أحداث متعلقة بأسرتها من وفاة جدها وعدم حضور والدها الجنازة، وعن ذلك تقول” الدنيا من غيره صعبة”.

كورونا

مع الإجراءات الاحترازية التي انتهجتها مصلحة إدارة السجون من منع الزيارات عن المحبوسين منذ نهاية مارس الماضي، لم يستطع “جمعة” الاطمئنان على أسرته، خاصة مع انقطاع الجوابات، وعن ذلك تقول “الزهراء”: هو أبو البنات، دايمًا قلقان ومشغول علينا وده أكتر شيء معذبه في حبسه، احنا 7 بنات وولدين.. وقت كورونا قضينا 5 شهور في قلق عليه،  وكانت الجوابات اللي بنحاول نبعتهاله جوه السجن هي الطريقة الوحيدة لكن معظم اللي بعتناه ما وصلهوش”. وصلت مدة الزيارة حاليًا إلى أقل من ساعة، نظرًا للظروف الحالية.

الدعم

وفي إطار الحديث عن دور نقابة الصحفيين تجاه الصحفي محمود حسين، قالت ابنته “الزهراء” إن النقابة لم تعترف بوالدها كأحد أعضائها، مؤكدة أنه عند ذهابها للنقابة لتقديم مذكرات للدفاع عنه، فإن نقابة الصحفيين رفضت ذلك لأنه ليس عضوًا لديها كما أنها لم تأخذ أي موقف رسمي تجاهه، في حين أن بعض أعضاء النقابة تعاونوا مع قضية أبيها بشكل فردي.

وأوضحت ابنة محمود حسين أنه منذ قيام قوات الأمن بإلقاء القبض على أبيها، فإن قناة الجزيرة لم تترك والدها، فضلًا عن قيامها بتوكيل فريق من المحامين لدعم القضية، مؤكدة أن القناة لم تقصر في تقديم الدعم لأسرتها أو لوالدها.

التكريم

في عددها الصادر أمس الأول، طالب المعهد الدولي للصحافة على صفحات “واشنطن بوست” الأمريكية بإطلاق سراح “جمعة”، جاء فيه:” اليوم هو تمام الـ 4 سنوات منذ حبس الصحفي محمود حسين ، أب لتسعة، بلا محاكمة أو أدانه أثناء زيارته لعائلته، ورغم قرار المحكمة بإخلاء سبيله في 21 مايو 2018، يستمر حبس محمود حسين في خرق واضح للقانون المصر. على مصر أن تطلق سراح محمود حسين هو وعشرات المراسلين والصحفيين المحتجزين”.

وحل اسم الصحفي محمود حسين في المرتبة الثانية ضمن قائمة “تحالف الصحافة الحرة” (one free press Coalition) لشهر ديسمبر الجاري للحالات الصحفية الأكثر إلحاحًا، وذلك بالتزامن مع مرور 4 سنوات على اعتقاله.

وأشار التحالف -الذي يسلط في كل شهر الضوء على أبرز 10 حالات لاستهداف للصحفيين في العالم- إلى أن محمود حسين سيكون في الشهر الجاري قد أمضى 4 سنوات خلف القضبان “وهي أطول فترة اعتقال قبل المحاكمة لأي صحفي مصري ينتظر جلسة استماع”، وفق التحالف.

وتحالف الصحافة الحرة هو مجموعة من المحررين والناشرين البارزين، الذين يستخدمون انتشارهم العالمي ومنصاتهم الاجتماعية لتسليط الضوء على الصحفيين، الذين يتعرضون للاستهداف في جميع أنحاء العالم.

كما قررت الرابطة الوطنية للصحفيين الأميركيين من أصل أفريقي منح جائزة “بيرسي كوبوزا” للزميل محمود حسين المعتقل منذ 1411 يومًا في مصر.

تنتظر”زهراء” خلال الأيام القادمة أن ترسل الجائزة، الذي أُعلن عنه عبر احتفالية تم تنظيمها “افتراضيًا” لظروف الكورونا، مطلع الأسبوع الجاري.

يشكل التكريم فارقًا واضحًا على نفسيتها ونفسية والدها وجميع أسرتها، وعن ذلك تقول:”بحس إن لما بابا بيتكرم أنه مش منسي وإن لسه فيه حد بيتكلم عنه”.

النشأة والدراسة

ولد محمود حسين جمعة يوم 12 ديسمبر 1966 في زاوية أبو مسلم بمحافظة الجيزة لأسرة متوسط الحال، عمل والده بالزراعة، وهو الأول بين 4 ذكور، بالإضافة إلى 5 أخوات.

التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة حيث تخرج فيها عام 1988، ثم حصل على تمهيدي الماجستير في العام التالي، ثم عاد لدراسة القانون مجددًا وحصل على ليسانس الحقوق بنفس الجامعة عام 1994، كما درس التاريخ في كلية الآداب، وحصل على دبلوم العلوم السياسية من معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية؛ كان ذلك عام 1998، ويعد أول الحاصلين على شهادة جامعية في أسرته.

ولخبرته العلمية والمهنية، كان لمحمود حسين الإمكانيات التي أتاحت له التدريس في معهد الإذاعة والتليفزيون، لصغار الصحفيين والمتدربين لحوالي 5 سنوات.

وبنفس عدد إخوته، كان له نصيب في أن تكون لديه أسرة مكونة من تسعة أبناء، تقول ابنته:” والدي كان حريصًا على تعليمي أنا وشقيقاتي الـ 7 عكس طبيعته الريفية، ورغم ظروف عمله وسفره خارج مصر، لكنه كان دائم المتابعة لأخبارنا”.

عمله الاعلامي

“والدي شخص عصامي بدأ حياته من الصفر”، هكذا تصف الزهراء والدها، والذي بدأ مسيرته المهنية كمحرر ومعد للبرامج السياسية بإذاعة صوت العرب المصرية، وظل بها لنحو 10 سنوات، حيث عمل في العديد من الجهات، منها عمله كباحث في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام، ثم في مركز دراسات الوحدة العربية بمكتب القاهرة، ثم في مركز الدراسات الحضارية، كما عمل محررًا صحفيًا بمكتب صحيفة الشرق القطرية بالقاهرة.

بدأت نقلته النوعية في العمل التليفزيوني منذ عام 1997 إذ بدأ العمل في قناة النيل للأخبار بالتليفزيون المصري، كصحفي ومراسل حتى عام 2004 على الأرجح -حسب ابنته- وترقى فيها إلى كبير مراسلين ثم أصبح مديرًا عامًا لقسم المراسلين بالقناة. وفي الوقت ذاته كان “جمعة” يعمل مراسلًا لقناة العالم الإخبارية، وتليفزيون البحرين، وتليفزيون السودان. كما تولى إدارة مكتب قناة الرافدين العراقية وإدارة مكتب التليفزيون السوداني بالقاهرة.

في عام 2011 انتقل الصحفي محمود حسين، للعمل رسميًا بقناة الجزيرة الإخبارية في القاهرة، فعمل منتجًا ومراسلًا، وشارك في تغطية ثورة يناير 2011، مستمرًا في عمله بالقناة حتى قامت السلطات المصرية بإغلاق مكتب القناة بالقاهرة عام 2013. وبقي بعدها في مصر لمدة عام، ثم انتقل للعمل بقناة الجزيرة في مدينة الدوحة بدولة قطر منذ 2014 إلى أواخر عام 2016، عمل فيها منتجًا للأخبار في قسم المراسلين. ونظرًا لبعده عن أسرته وأهله فقد كان يأتي في إجازة لمصر كل 3 أشهر غالبًا، كي يطمئن على والدته وأبنائه.

وروت ابنته الزهراء في حديثها لـ”المرصد” أنه في الوقت الذي عمل فيه والدها مع قناة الجزيرة في قطر كان قد حصل على إجازة من قناة النيل للأخبار، وفي كل عام كان يقوم بتجديدها، إلا أنه عندما ألقت قوات الأمن المصرية القبض عليه في زيارته الأخيرة لمصر تم فصله من قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، وعلى إثر ذلك قالت إن أسرتها ترى أن هذا إجراءً تعسفيًا وعقابيًا.

رغم عملها في الصحافة ـ لفترةـ قبل أن تتركها حاليًا متجهة إلى مجال الترجمة الصحفية، بعد أن تعرضت للفصل من إحدى الصحف الخاصة التي كانت تعمل بها على خلفية ظروف اعتقال والدها؛ فقد آثرت ابنة الصحفي محمود حسين أن يكون لها تجربتها الخاصة في المجال بعيدًا عن والدها، فكانت حريصة على ألا تذكر اسمها كاملًا في أي مكان أو أمام أشخاص تتعامل معهم، فقط هي “الزهراء جمعة”، والسبب كما تقول:”تلاميذ والدي كانوا حابين يردوا جميل أبويا عليهم فيا، وده كان بيزعلني ويزعل كمان زمايلي مني”. تقول الزهراء: والدي كان يشجعني، ونصيحته ليا إني أنقل الحدث فقط، وألا أتأثر به حتى لا ينعكس ذلك على نفسيتي.

مع بداية العام الخامس على حبسه، تتذكر ابنه الصحفي محمود حسين جمعة نصيحته لها، محاولة تطبيقها: “تعاملي مع تجارب الحياة كما هي، لا تبالغي في الفرح أو الحزن، الدنيا فيها تقلبات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى